الخميس، سبتمبر 18، 2008

..::حيدر وسمية(5)::..



مرت أيام الحرب الباقية كأنها سنوات، وحينما خمدت نيران المدافع والصواريخ، عاد أهل القرى إلى بيوتهم المدمرة وأراضيهم المحترقة، وكلهم فخر بأنهم هزموا أعتى جيش في المنطقة، ولقنوا العدو درساً لن ينساه طوال سنين. وبدأ الغبار ينقشع عن الطرقات والأزقة، وخرج الناس من الملاجئ التي لم تكن لتقيهم خطر الموت تحت الردم، لكنها كانت الشيء المتوافر أمامهم حينها. خرجوا من الأقبية ليحتضنوا خيوط الشمس التي شهدت صبرهم وصمودهم طوال الحرب. وبدأت الحياة تعود إلى قرى الجنوب، وكذلك البقاع والضاحية.

وحان وقت عودة المجاهدين، انتظرت سمية عودة زوجها الحبيب لتستقبله بابنهما. وفي يوم، كانت في بيتها تحاول إعادة تأهيله لما كان عليه، فتزيل قليلا من الردم هنا، وترمي ما تحطم من أثاث هناك، وتحصي الأضرار التي لحقت بعشها الزوجي. طرق الباب أحدهم، فهرعت سمية لتفتح، لترى أباها ومعه شابان من القرية، أحدهما مصاب برجله والآخر مضمداً رأسه. دققت سمية النظر فيهما، فتذكرت أنهما صديقا زوجها، لكن الحرب غيرت من معالم وجهيهما. أحست سمية حينها بأن أمراً غريباً قد حصل، وانقبض قلبها حين رأت نظرة أبيها وحاولت سؤاله عن سبب وجومه لكنه لم يجب. جلس الثلاثة في غرفة الجلوس وجلست سمية قبالتهم وفي وجهها ألف سؤال وسؤال. ما سبب حضورهم إلى هنا؟ أين حيدر؟ لم لم يأت معهم؟... حل السكوت لفترة في الغرفة، لكن والد سميه قطعه ليخبرها بأن حيدر قد استشهد. لم تصدق سمية ما سمعته أذناها، وكان أول رد فعل أن حملت ابنها الذي كان بقربها وحضنته، ونظرت إليه ثم بكت. فقد عرفت حينها بأن ابنها أصبح يتيماً، وأنها اصبحت وحيدة. كانت تلك أصعب لحظة تمر على سمية، اصعب حتى من لحظات القصف المدمر فوق القرية، أصعب حتى من سماعها بكاء الأطفال في قبو المسجد، أسوأ حتى من رؤيتها للجرحى والشهداء يسقطون أمام عينيها.

طلب والد سمية منها أن تصبر وتحمد الله على كل حال، فمسحت دموعها وطلبت من الشابين أن يرويا لها كيف سقط زوجها شهيداً. فأخبراها بأن الشهيد حيدر كان من أشجع الرجال في المواجهات مع جنود العدو، وقد استبسل في القتال حتى قتل الكثير من الصهاينة، لكن المنزل الذي دخل إليه مع مجاهد آخر تعرض لغارة دمرته، فاستشهد حيدر ورفيقه معاً. كانت سمية تستمع إلى حديث الشابين وعقلها في نفس الوقت يرسم صورة زوجها الحبيب وهو في تلك اللحظات. ثم علمت سمية أيضاً بأن زوجها استشهد في اليوم الخامس والعشرين من الحرب، اي في نفس يوم ولادة ابنها.


يتبع...

هناك 3 تعليقات:

ِِAdem El-Mahdy يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمات رائعة و معبرة

اللهم اعز الاسلام و المسلمين

اللهم امين

شهيدة يقول...

الاخ آدم المهدي

السلام عليكم

شكرا على زيارتك الكريمة وتعليقك

آجركم الله

عيد فطر سعيد

تحياتي

شهيدة يقول...

العراقية

السلام عليكم اختي

زيارتك شرفتني

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

عيد فطر سعيد

تحياتي