... اعتدلت سمية في جلستها، ورأت أن ابنها "حسين" قد غفا، بينما كانت هي تسبح في بحر الذكريات، فوضعته في سريره ثم توجهت إلى درج خزانتها لتستخرج منه مغلفاً كان قد سلمها إياه أحد الشابين المجاهدين، وقال لها أن الشهيد قد أوصاه أن يسلمه لزوجته. فتحت سمية المغلف وأخذت منه ورقة كان فيها رسالة من زوجها حيدر لها، وبدأت تقرأها بكل تمعن...
بسم الله الرحمن الرحيم
حبيبتي سمية، تحية وبعد، السلام عليك يا زوجتي الصابرة الصامدة
حين تقرأين هذه الرسالة، فإنني أكون قد صرت شهيداً سعيداً عند ربي سبحانه وتعالى. أعلم يا حبيبتي بأن الحمل عليك اصبح ثقيلاً، وأعلم أنني تركتك لتواجهي الدنيا وحدك. ولكنني يا زوجتي العزيزة قد اخترت عدم التخاذل، ومشيت في طريق محتم على كل من يريد العيش بكرامة، وأبيت أن يكون مصيري سخط الله سبحانه وتعالى عليّ. وهذا الطريق كما كنت تعلمين دائماً هو طريق محفوف بالمخاطر والصعاب، وعلى الواحد منا أن يتوقع دائماً إما الشهادة أو الأسر. وها أنا قد اختارني الله واستعاد أمانته، فلا تحزني يا حبيبتي بل افرحي وافخري واعلمي أنني لن أنساك، وسأنتظرك في الجنة إن شاء الله لتكوني أنت حور عيني..
أعتقد الآن، وبينما أنت تقرأين الرسالة، أن ابننا موجود بقربك، كم كنت مشتاقاً لأن احتضنه وأراقبه يكبر امام عيني، والاعبه وأحادثه وأصحبه معي إلى المسجد. ولكن الله كما شاء فعل، وهذا هو قدري. فيا حبيبتي أوصيك بأن تحافظي على ولدنا قدر استطاعتك، وأن تربيه أفضل تربية وانا على ثقة بأنك أهل لهذا. وعلميه بأن والده كان مجاهداً اختار درب الحق، ومشى فيه واستشهد من أجل اعلاء كلمة الله ونصرة المظلومين. وقولي له بأنني أحبه أكثر من عمري وبأنه سكن قلبي وعقلي وروحي حتى قبل أن يولد.
أحبيه كثيراً يا سمية ولا تقسي عليه، ولكن أدبيه حتى يغدو رجلاً مسؤولاً يحميك ويسهر على راحتك. واحرصي على أن يكون مجاهداً هو أيضاً، فهذه المسيرة مستمرة حتى قيام يوم الدين وحتى ينتهي الظلم والجور من الوجود.
سامحني عزيزتي على تركي لك، وأنا أعلم كم تعبت معي في حياتنا وكم صبرت وتحملت وأجرك إن شاء الله يحتسبه رب العالمين وستكونين من أهل الجنة ان شاء اللهز آجرك الله يا أم حسين. وملتقانا ان شاء الله في الجنة مع الأنبياء والأولياء والشهداء والصديقين.
زوجك وحبيبك
الشهيد حيدر "أبو حسين"
انهت سمية قراءة رسالة زوجها ومسحت عن خديها دموعها التي انهمرت كأنما الرسالة أعطتها القوة والصبر مجددا. ثم نهضت ونظرت من النافذة، وهي في نفسها تعاهد زوجها الشهيد بأن تظل على نفس الطريق وأنها ستجاهد بتربية إبنه حتى يصبح رجلاً يرعب أعداء الله بجهاده وإيمانه. وابتسمت وهي تنظر الى الأفق البعيد فقد كانت ترى وجه حبيبها يتلألأ في كبد السماء كأنه القمر، يبتسم لها هو أيضاً وينتظرها يوم اللقاء في جنة تجري من تحتها الأنهار وهم فيها خالدون.
تمت