الخميس، أغسطس 28، 2008

..::حيدر وسمية (4)::..

... كانت السهرات تطول وحيدر وسمية يحاولان تسمية الجنين الذي كانا ينتظران ولادته بفارغ الصبر. فحيدر يقترح أن يسمياه حسيناً إن كان صبياً وفاطمة إن كان فتاة. وسمية تريد تسميته مهدي إن كان صبياً وزهراء إن كان فتاة. وهكذا كان الوقت يمر والزوجان يحاولان إقناع بعضهما كل برأيه. وكم كانا يتصوران حياتهما بعد ولادة الجنين ويخططان كيفية تربيته وتهذيبه. لم يكن في بالهما شسء سوى الجنين الذي على وشك أن يخرج إلى الدنيا ويحضر معه كل الخير والحب والأمل.
شارفت الشهور التسع من الحمل على الانتهاء، وكذلك التحضيرات لاستقبال الضيف الجديد. كان الجميع متلهفاً لذلك اليوم المميز. وحل يوم الأربعاء الثاني عشر من تموز (يوليو)، لم يكن أحد يدري أن حرباً ضروساً ستبدأ. دخل حيدر إلى بيته ذلك اليوم ليُعلم سمية أنه سيضطر أن يتركها من أجل الالتحاق بالمجاهدين وأداء واجبه الجهادي بين صفوف المقاومة. اغرورقت عينا سمية بالدموع، وانسالت دمعة خجولة على خدها، لكنها سرعان ما مسحتها، فهي تعلم كم أن رؤية دموعها تزعج زوجها. حضنها حيدر وودعها سريعاً، وودع ولده الذي لم يره بعد، وخرج من البيت مسرعاً بعد أن طلب منها أن تذهب مع أهل القرية إلى قبو المسجد القريب إن تفاقم الوضع وزاد الخطر.
مرت أيام تموز والعدوان يزداد قسوة وظلماً، والمقاومة تزداد قوة يوماً بيوم ولحظة بلحظة. كانت سمية تتسمر بقرب المذياع تتابع الأحداث وتدعو للمجاهدين ولسيدهم. وكانت تتصبر دائماً كلما سمعت خطاباً "للسيد" فتنسى قلقها على حبيب عمرها وتضعه في عين الله لترعاه. وكانت تعيش الصمود هي أيضاً، فهي لم تغادر القرية طوال العدوان، وكانت تشارك نساء القرية في الخبز وإعداد الطعام لأهل القرية وللمجاهدين.
وأجاء سمية المخاض في اليوم الخامس والعشرين من الحرب، ولم يكن هناك مستشفى تذهب إليه، فوضعت جنينها في القبو الذي كان أهل القرية يلتجؤون فيه، بمعونة نساء القرية ومساعدتهن. كان الوليد صبياً جميلاً صغيراً ناعماً. حضنته سمية وضمته إلى صدرها، ثم بكت قليلاً، لأنها تعلم كم كان حيدر يتمنى أن يكون حاضراً إلى جانبها في تلك اللحظة الرائعة. لكنها عادت ودعت الله أن يحرس زوجها وجميع المجاهدين، أن يمكن حيدر من العودة لرؤية ولده الذي انتظره...
يتبع...